​د. يونتان مندل​ | 17/12/2019



الغالبيّة العظمى من اليهود الذين يعيشون في البلاد لا يمكنهم إجراء محادثة عاديّة مع ناطق باللغة العربيّة. كما أنّهم لن يتمكّنوا من على طلب الطعام في مطعم يتحدّثون فيه باللغة العربيّة، وعادة لن يتمكّنون من قراءة اسم المطعم المكتوب خارج الباب. لماذا الوضع بهذا الشكل؟ هذا مرتبط، وكيف لا، بالنزاع، بالدافع الأمنيّ للخدمة في المخابرات (الذي أصبح منذ الخمسينيات من القرن الماضي مهيمنًا في هذا المجال، وأدى بدوره إلى تكوّن مزيد من البعد بين اليهود والعرب) وبالعلاقات العربيّة-اليهوديّة. يرتبط هذا الأمر أيضًا بالمكانة الرسمية للغة العربيّة في البلاد. لهذه الحالة اللغوية أسباب تعليميّة تاريخيّة أيضًا. سبب رئيسيّ من بين هذه الأسباب هو أن تعليم اللغة العربيّة في البلاد تشكّل حول مقاربة كلاسيكيّة تسمّى "ترجمة والنحو" والتي كانت شائعة للغاية في أوروبّا، في تعليم اللغات الساميّة، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. تركز هذه المقاربة على تعليم المباني النحوية والصرفيّة وترجمة النصوص. وبالكاد تتطرّق إلى التعبير أو الإبداع أو التواصل - شفهيًّا أو كتابيًّا - ولكنّها بالأساس تعليم المعرفة "السلبيّة" والترجمة الدقيقة من العربيّة الفصحى إلى العبريّة.


فمن الّذي حقًّا يَخشى ​​تَعَلُّم العربيّة؟

كل هذا أدّى إلى حقيقة أنّه بدلًا من التقريب بين اليهود والعرب، وإلى أن تصبح ميدانًا مشتركًا، يهوديًّا عربيًّا وثنائيّ اللغة، أصبح مجال اللغة العربيّة جزءًا من النقاش اليهوديّ الداخليّ. كذلك معظم معلّمي اللغة العربيّة في إسرائيل ومعظم الخبراء الذين شاركوا في المناقشات حول تدريس اللغة، عل الأغلب لم يكونوا جزءًا من الثقافة العربية أو ناطقين باللغة العربيّة بطلاقة. بالإضافة إلى ذلك، في تعليم اللغة العربية كانت الميول البيداغوجيّة إلى استخدام الكتب التي تركّز على قواعد اللغة؛ بناء الجملة وتحليل الأفعال؛ دروس تُدار بالعبريّة؛ وفوق كلّ هذا، كان تحوم فوق هذا المجال، حتّى من قبل قيام الدولة- سياقات أمنيّة أكثر من السياقات الاجتماعيّة أو الثقافيّة العربي أو الشرق أوسطيّة.

في ظل هذه الظروف تشكّلت اللغة العربيّة في المجتمع اليهوديّ كلغة من ناحية "يصعب تعلّمها"؛ ومن ناحية أخرى، كلغة من تعلّمها لا يمكنه استخدامها - في محادثة، محاضرة، مقابلة، رسالة؛ ومن ناحية ثالثة كلغة غير مرتبطة بالفعل بالمجتمع العربيّ في البلاد، لا تتيح التواصل ولا تشكّل جسرًا إلى الثقافة والمجتمع في المنطقة القريبة خاصّة أو العالم العربي عامّة.

لسنوات عديدة لم يكن هناك تغيير جوهريّ في البلاد في مجال تدريس اللغة العربيّة. قامت المدارس بعدّة محاولات لإجراء تغييرات، مثل: إدخال حصّة أو حصّتين لتدريس اللغة العربية المحكيّة في الصفوف الابتدائية، لكنّ روح وإطار التعليم نفسه لم يتغيّرا، كذلك الأمر بالنسبة إلى الدافعيّة والارتباطات المختلفة بين وزارة التعليم ووحدة الاستخبارات.

فيما يتعلّق بالنتائج، تبيّن من التقرير بالنسبة إلى البحث المحتلن الذي تناول هذا الموضوع استنادًا إلى عينة تمثيلية من السكّان اليهود في البلاد، أن 6.8٪ فقط من اليهود في إسرائيل قالوا إنّهم يستطيعون التعرّف على الحروف باللغة العربية؛ بينما قال 2.4٪ فقط إنّه يمكنهم قراءة نصّ قصير باللغة العربية؛ وفقط 1.4٪ أجابوا بأنّهم قادرين على كتابة بريد إلكتروني أو رسالة قصيرة باللغة العربية، وأقلّ من 0.4٪ من المجيبين قالوا إنّهم يستطيعون قراءة كتاب باللغة العربيّة. علينا ألّا ننسى أنّ كلّ ذلك يتعلّق بمعرفة لغة ساميّة ولغة الشرق الأوسط ولغة بلدان منشأ معظم اللغات اليهود الشرقيّين، وهي اللغة التي كتبت فيها بعض أهمّ المؤلّفات اليهوديّة في العالم، واللغة الأقرب إلى العبريّة من بين اللغات المحكيّة في العالم.


يالله، آنَ​​ وقْتُ التّغيير

في حين بقينا في البلاد نستخدم طريقة قديمة جدًّا في تدريس اللغة، فإنّه خارج إسرائيل، كانت هناك ثورة حقيقية في مجال تدريس العربيّة. علاوة على ذلك، في أوروبّا تم وضع المعيار -​​CEFRL  -The Common European Framework of Reference for Languages لتدريس لغة أجنبيّة الذي سعى إلى وضع معايير جديدة لتقييم معرفة اللغة. أحد التجديدات الكبيرة كانت تغيير معيار الأهداف من "التلميذ يعرف" (know how) الذي ضمّ حتّى الآن ظواهر لغوية أو أرقام الأوزان الصرفيّة في تدريس الفعل إلى "يتمكّن التلميذ من" (can do) بما في ذلك "يتمكّن التلميذ من إجراء مقابلة"، "يمكن للتلميذ أن يحدّد موقعه في الحيّز"، "يتمكّن التلميذ من قراءة مقال وفهم الأفكار الرئيسيّة الواردة فيه"، يمكن للتلميذ تقديم عرض تقديميّ باللغة العربيّة"، وغيرها. كان هذا بمثابة تغيير فكريّ أكثر من كونه تغيير في المضامين غيّر النظرة إلى تدريس اللغة الثانية وطريقة قياس الإنجازات.

بفضل كلّ هذه التغييرات، وبسبب الاعتقاد بأنّ الوقت قد حان لتغيير نظام تعليم اللغة العربيّة في إسرائيل، وقع هذا العام حدث تاريخيّ (بالفعل !!!) عندما بدأنا في جامعة بن غوريون في النقب بتدريس اللغة العربية وفقًا لنهج يعتبر الأكثر تقدّمًا من نوعه في العالم. عمليًّا، نحن المكان الوحيد في البلاد الذي يقوم بتدريس اللغة العربية باللغة العربية وفقًا ل"الطريقة التكاملية"، وهي طريقة تمّ تطويرها في جامعة كورنيل وجامعة جورجتاون في الولايات المتّحدة وجامعة إدنبرة  في بريطانيا – من الجامعات الرائدة في العالم في مجال تدريس اللغة العربية – وفي مركزها تدريس مدمج للعربيّة المحكيّة والعربيّة الفصحى. بهذه الطريقة يسعى قسم دراسات الشرق الأوسط الذي يتبلور فيه المنهج التعليميّ الجديد في اللغة العربيّة، إلى النهوض بالتغيير بهدف السماح للطلاب الذين يدرسون هذا المجال بأن يكونوا قادرين على الاستخدام الحقيقيّ للّغة العربية - للبحث والتواصل. لدينا طاقم كبير من المحاضرين، المعيدين، المستشارين التربويين، وجميع أعضاء الطاقم يتحدّثون باللغة العربية، إمّا كلغة أمّ أو بمستوى لغة أمّ- عرب ويهود.

علاوة على ذلك، إلى جانب التركيز على تغيير تدريس اللغة العربيّة في الصفّ نفسه، يسعى البرنامج الجامعي الجديد إلى إدخال اللغة العربيّة في سياق جديد يفهم فيه الطلّاب سياق تدريس اللغة العربيّة بشكل أفضل كجزء من دراساتهم الجامعيّة. لذلك، يتضمن البرنامج الجديد لتعليم اللغة العربيّة أيضًا جولات إلى المدن والقرى العربية على مدار العام، محاضرات للعلماء والمبدعين العرب، لقاءات مع الطلّاب العرب، وكذلك برنامج إثراء يتعرّفون فيه على مسلسلات وأفلام من العالم العربيّ. بالإضافة إلى ذلك، سيتمّ بناء تعليم العربيّة بحيث يشمل في السنة الأولى المهارات الأساسيّة، وفي السنة الثانية المهارات الأكاديميّة، وفي السنة الثالثة تدرّب الطلاب على استخدام اللغة العربيّة ليس في سياق تعلّمها في الصفوف - على سبيل المثال من خلال التدريب العمليّ والتطوع في حيّزات مختلفة في البلدات والمراكز العربية في البلاد.

من خلال القيام بذلك، تسعى جامعة بن غوريون في النقب إلى أن تلعب دورًا رائدًا في وضع أفق جديد لتدريس العربية في إسرائيل عامّة، إعادة الباحثين والخبراء العرب إلى هذا المجال، توطيد العلاقة الطبيعيّة والإيجابيّة بين اللغة والمجتمع والثقافة العربيّة.

 

عن الكاتب

د. يونتان مندل هو عضو طاقم التدريس في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون في النقب، وهو باحث في العلاقات بين اللغة والمجتمع وعلم الاجتماع اللغة، وبشكل أكثر تحديدًا، كان يتناول دراسة اللغة العربيّة ومكانتها في البلاد على مدار المائة عام الماضية. د. مندل هو مركّز برنامج تدريس اللغة العربية في القسم.